الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين}.وأقيموا معطوف على ما ينحل إليه المصدر الذي هو القسط أي بأن أقسطوا وأقيموا وكما ينحل المصدر لأن والفعل الماضي نحو عجبت من قيام زيد وخرج أي من أن قام وخرج وأن والمضارع نحو:
أي لأن ألبس عباءة وتقر عيني كذلك ينحل لأن وفعل الأمر ألا ترى أنّ أن توصل بفعل الأمر نحو كتبت إليه بأن قم كما توصل بالماضي والمضارع بخلاف ما المصدرية فإنها لا توصل بفعل الأمر وبخلاف كي إذا لم تكن حرفًا وكانت مصدرية فإنها توصل بالمضارع فقط ولما أشكل هذا التخريج جعل الزمخشري {وأقيموا} على تقدير وقل فقال: أقيموا فيحتمل قوله وقل أقيموا أن يكون {أقيموا} معمولًا لهذا الفعل الملفوظ به، ويحتمل أن يكون قوله: {وأقيموا} معطوفًا على {أمر ربي بالقسط} فيكون معمولًا لقل الملفوظ بها أولًا وقدّرها ليبيّن أنها معطوفة عليها وعلى ما خرّجناه نحن يكون في خبر معمول أمر، وقيل: {وأقيموا} معطوف على أمر محذوف تقديره فأقبلوا وأقيموا، وقال ابن عباس والضحّاك واختاره ابن قتيبة: المعنى إذا حضرت الصلاة فصلوا في كل مسجد ولا يقل أحدكم أصلي في مسجدي، وقال مجاهد والسدّي وابن زيد: معناه توجّهوا حيث كنتم في الصلاة إلى الكعبة، وقال الرّبيع: اجعلوا سجودكم خالصًا لله دون غيره، وقيل: معناه اقصدوا المسجد في وقت كلّ صلاة أمرًا بالجماعة ذكره الماوردي، وقيل: معناه إذا كان في جواركم مسجد فأقيموا الجماعة فيه ولا تتجاوزوا إلى غيره ذكره التبريزي، وقيل هو أمر بإحضار النيّة لله في كل صلاة والقصد نحوه كما تقول: {وجّهت وجهي} الآية قاله الربيع أيضًا، وقيل معناه إباحة الصّلاة في كل موضع من الأرض أي حيثما كنتم فهو مسجد لكم يلزمكم عنده الصّلاة وإقامة وجوهكم فيه لله وفي الحديث: «جعلت لي الأرض مسجدًا فأيّما رجل أدركته الصلاة فليصل حيث كان» وقال الزمخشري: أي اقصدوا عبادته مستقيمين إليه غير عادلين إلى غيرها عند كل مسجد في وقت كل سجود وفي كل مكان سجود وهو الصلاة وادعوه مخلصين له الدين.قيل: الدعاء على بابه أمر به مقرونًا بالإخلاص لأنّ دعاء من لا يخلص الدين لله لا يجاب، وقيل: معناه اعبدوا، وقيل: قولوا لا إله إلا الله.{كما بدأكم تعودون فريقًا هدى وفريقًا حقّ عليهم الضّلالة}.قال ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة هو إعلام بالبعث أي كما أوجدكم واخترعكم كذلك يعيدكم بعد الموت ولم يذكر الزمخشري غير هذا القول.قال: كما أنشأكم ابتداء يعيدكم احتجّ عليهم في إنكارهم الإعادة بابتداء الخلق والمعنى أنه يعيدكم فيجازيكم على أعمالكم فأخلصوا له العبادة انتهى، وهذا قول الزّجاج قال: كما أحياكم في الدّنيا يحييكم في الآخرة وليس بعثكم بأشد من ابتداء إنشائكم وهذا احتجاج عليهم في إنكارهم البعث انتهى.وقال ابن عباس أيضًا وجابر بن عبد الله وأبو العالية ومحمد بن كعب وابن جبير والسدّي ومجاهد أيضًا والفرّاء، وروى معناه عن الرّسول أنه إعلام بأنّ من كتب عليه أنه من أهل الشقاوة والكفر في الدّنيا هم أهل ذلك في الآخرة وكذلك من كتب له السعادة والإيمان في الدنيا هم أهل ذلك في الآخرة لا يتبدّل شيء مما أحكمه ودبّره تعالى ويؤيد هذا المعنى قراءة أبيّ {تعودون} فريقين {فريقًا هدى وفريقًا حقّ عليهم الضلالة} وعلى هذا المعنى يكون الوقف على {تعودون} غير حسن لأنّ {فريقًا} نصب على الحال وفريقًا عطف عليه والجملة من {هدى} ومن {حقّ} في موضع الصفة لما قبله وقد حذف الضمير من جملة الصفة أي هداهم، وجوّز أبو البقاء أن يكون {فريقًا} مفعول {هدى} {وفريقًا} مفعول أضل مضمرة والجملتان الفعليتان حال، وهدى على إضمار قد أي تعودون قد هدى فريقًا وأضلّ فريقًا، وعلى المعنى الأوّل يحسن الوقف على {تعودون} ويكون {فريقًا} مفعولًا بهدى ويكون {وفريقًا} منصوبًا بإضمار فعل يفسّر قوله: {حقّ عليهم الضلالة}. اهـ.
|